الأربعاء، 1 مارس 2017

التهاون في مسألة تحديد القبلة


التهاون في مسألة تحديد القبلة 


باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد :
أولاٍ : المقدمة 
نظرا لاستهانة البعض بهذه المسألة معللا بقوله تعالى : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ }احببت التنبيه السريع عليها فأقول : إن شرح هذه المسألة جاء في القرآن الكريم بأحسن بيان وأكمل تبيان في ثلاث آيات وهي :
الآية الأولى : قال تعالى : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
الآية الثانية : قال تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }
الآية الثالثة : قال تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }

ثانياٍ : التوضيح 
ففي هذه الايات جاء لفظ الامر عموما وخصوصا { فول } للنبي عليه الصلاة والسلام { فولوا } للامة جميعا ، وفعل الامر يقتضي تحقيقية ايجاد فعل المأمور به وهو هنا الاتجاه الى القبلة المقصودة اثناء الصلاة وهي مكة { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ، ولم تكتف الايات بالامر المذكور بل اكدت ذلك بنص 
فبعد الاية الاولى قال تعالى : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } دليل على ان الاتجاه الى غيرها باطل وليس من عند ربنا 
وبعد الاية الثانية قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } وهو تاكيد يحمل نفس معنى التاكيد في الاية الاولى 
وبعد الاية الثالثة قال تعالى : { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } دليل على ان المتجه الى غير القبلة ظالم ( اي مشرك ) وليس له حجة في ذلك 
وهذه الاوامر كلها منطوق مفهومها النهي عن الضد فكما ان الاتجاه الى مكة واجب فالاتجاه الى غيرها حرام ويؤكده ايضا قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } فلانتبع قبلتهم لاننا مسلمين وهم كفار ولاهم يتبعون قبلتنا لانهم كفار ونحن مسلمون ، دليل على ان امر القبلة مضبوط بالشريعة ولاتحكمه العشوائية 

ثالثاً : اشكال 
وأما قوله تعالى : { فأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } فلايجوز اطلاقية معناها بل يجب تفسيرها بتفسير يجمع بينها وبين الايات الاخريات لا بتفسير يوجب التعارض والتناقض ، وخلاصة ذلك على ثلاثة اقوال كلها قوية في الاقناع بإذن الله تعالى 
الاول : انها منسوخة وهذا القول رغم قوته الا انه اضعف الاقوال لان الاصل في تعارض النصوص هو الجمع بينها لا الاستغناء عن احدها 
الثاني :  { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } اي اينما تذهبوا فاتجهوا الى وجه الله اي قبلة الله وهي مكة بدلالة الاية الاخرى وهي : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فقوله { فثم وجه الله } كقوله { فولوا وجوهكم شطره } فثم وجه الله أي مكه دليل على ان مكة ليست قبلة اهلها وحسب بل هي قبلة من في المشرق والمغرب
الثالث : انها في حالة العجز عن تحديد القبلة فالدين يسر فاتجه الى حيث تيسر لك الامر من باب قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ومن باب قوله تعالى : { وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
 
هذا ما انتهى اليه قلمي في هذه المسالة والله الموفق


كتبه اخوكم 
أبو العباس انور الرفاعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق