الأربعاء، 1 مارس 2017

حكم الاستعانة بالجن

حكم الاستعانة بالجن 
ـــــــــــــــ
⛅ أولاً : المقدمة 
تعتبر هذه الرسالة جزء مستل من رسالتي « القواعد الواضحة للرقية الشرعية من سورة الفاتحة » وذلك عند مروري بالمسائل المتفرعة من قوله تعالى : { وإياك نستعين } وسوف أناقش هذه المسألة بعد اختصار النتيجة من خمسة مباحث :

⛅ ثانياً : مباحث الرسالة 
وقد جعلتها خمسة مباحث باعتبار اختبار أهم النقاط فأقول : 
1⃣ - المبحث الأول : الاحتجاج بفتوى العلماء 
يقول الله تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] هذه الآية أصل في ايثار الحق على الخلق ، وقد تضمنت على الأمر { اتبعوا } والنهي { ولا تتبعوا } فوقع الأمر على اتباع الكتاب والسنة ، ووقع النهي عن اتباع ما يخالفهما وإن كان القائل به ممن نحبهم ونواليهم ، ثم النتيجة { قليلا ما تذكرون } وفيها احتمالين : الأول : أنها بمعنى قليل من يتذكرون وهم أهل الحق ، والثاني : قليلا ما ينتفعون بالذكرى وهم أهل الباطل 
ومن هنا أقول : أليس من قلة الذكرى التعلق بفتوى عالم والاعراض عن فتوى عالم آخر رغم شهادة الواقع الشرعي لفتوى من قال بالمنع ، ورغم شهادة الواقع المرئي في حال من تورطوا في هذه المسألة وما وصلوا إليه من فتن وانحراف ؟!!

2⃣ - المبحث الثاني : الاستدلال بعموم أدلة التعاون 
يستدل القوم بعموم أدلة التعاون على البر والتقوى ومنها قوله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وحديث : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) ونحن نقول : إن خلافنا معكم ليس في الدليل وإنما في صحة الدلالة فنحن نوؤل هذه النصوص أن الاستعانة بالجن مستثناة من عمومها بدلالة قوله تعالى : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } [ الجن : 6 ] وفي تفسيرها أن الانس كانوا إذا دخلوا الوادي استعاذوا بسيد الجن من سفهاء قومه !! فهو من باب طلب السيد أن يؤدب رعيته ، ومع ذلك فالجن لايزيدون من يلجأ إليهم إلا { رهقا } باعترافهم كما في الآية ، والاستعاذة تتضمن الاستعانة  كما لايخفى 
ثم إن هناك فرق بين التعاون وبين الاستعانة فالتعاون هو بذل العون المتبادل والاستعانة هي طلب المعونة وأسلفنا أنها تجوز من المخلوق بالشروط السابقة : الحي الحاظر القادر ، وهذا الشروط غير مكتملة في طلب العون من الجن !! ؛ لكونه غائب ، فإن قلت : إنه يحظر !! قلنا : كان قادراً على بذل المعونة دون طلب فلماذا لم يقم بذلك إلا بطلب ؟!! فإن كثرت الفلسفة حول مسألة الحظور والغياب عدنا بالمتفلسف إلى الآية السابقة في سورة الجن .

3⃣ - المبحث الثالث : الاستعانة بالجن خلاف السنة 
يدعي المستعينون بالجن أنهم إنما يفعلون ذلك لخدمة المسلمين في علاجهم وفك أسحارهم !! فنقول لهم : لماذا لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحرص على خدمة المسلمين منا جميعاً بدلالة قوله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 128] ؟ لو كان في الاستعانة بالجن نوع من خدمة المسلمين ما فات النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وفي الحديث : ( إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها فى أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ) 
والقاعدة تقول : إن الأمر إذا كان مقتضاه موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ففعله يدور بين الكفر أو المعصية أو الكراهة !! وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستعن بالجن لارشاده لا إلى نوع اصابته قبل أن يعرف ولا إلى النزول للبئر وابطال السحر بعد عرف !! وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسلون العيون لرصد أخبار العدو في الغزو وهذا فيه تعريض الانسي للخطر ومع ذلك لم يستعن بالجن المسلمين على ذلك ، ومثله في الصحابة من سحر ومن أصيب بالمس ومن أصيب بالعين ولم يؤثر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالجن لعلاجهم قبل موته ، ولا هم استعانوا بهم بعد موته !! وكل هذا دليل أن الباب كان مقفل حتى فتحه جهال اليوم
بل لم يؤثر أن الجن عرضت نفسها لخدمة أحد الصحابة في أيامهم وعرضت نفسها لخدمتك في أيامك وهذا دليل أن الجن هابت علمهم ومعرفتهم بالحقيقة واستغلت جهلك بها !!

4⃣ - المبحث الرابع : الفرق بين الاعانة والاستعانة 
أثناء الرقية قد ينطق الجني على لسان الانسي وربما بدأ بالاعتراف بمكان السحر ومن طلبه من الساحر وهم في هذا يكذبون كثيراً ، ولكنهم مع ذلك داخلون في قوله تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } فقد يتذكر الجني ويتوب ويخرج من جسد الانسي وهذا كثير فإن اعترف بمكان السحر فهذا لايدخل في الاستعانة المحرمة بل يدخل في التوبة وإصلاح ما أفسد لقوله تعالى : {  إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ البقرة : 160 ] فهو مأمور بذلك شرعاً ، وربما أخبر بذلك من غير توبة وهذا من باب الاعتراف ليدفع عن نفسه كما يعترف أسير الحرب ببعض مخططات العدو وهو تحت الضغط ، فالظاهر في هذه الحالة أنه لا مانع من تصديقه بمكان السحر فعل الله تعالى أنطقه رحمة بالمريض ، ولكن ينتبه لكذبهم واحتيالهم فلا يؤخذ منه إلا القدر المفيد وأما ما يدندن به من ذكر فاعل السحر فهذا القدر يدور بين الصدق والكذب ولا حاجة لنا به في علاج المريض فيترك

5⃣ - المبحث الخامس : المعالجون الروحانيون
انتشر المتسمون بهذا الاسم مؤخراً بشكل كبير وقد اخترقوا صفوف الرقاة الجهال في مواقعهم ومنتدياتهم وهم يدعون أن الله تعالى قد علمهم علم الأسماء الحسنى والاسم الأعظم ويدعي بعضهم أن الجن تخدمه والبعض تجاوز وادعى أن الملائكة تخدمه وبعد البحث والدراسة لحال هؤلاء وجدت أنهم أخطر من السحرة بل يكادوا أن يكونوا هم البديل الخفي للسحرة في تنفيذ متطلبات الشياطين في عالم الانس ، وذلك أن المسلم التقي لا يتقبل الذهاب للسحرة ولكنه بجهله قد يتقبل هؤلاء بسهولة !! لا سيما أنهم يزينون للمريض أن الجن التي تخدمهم صالحين وأنهم يرتادون الحرم ليلاً ونهاراً !! والحقيقة أن الجن هي من تستخدمهم لمآربها وقد تواصل مع أخ من دولة مصر كان من المعالجين الروحانيين هؤلاء وهو الآن ممسوس بعد أنه رفض اكمال المشوار لما رأى أن الجن غدرت به وطلبت منه ممارسة بعض المخالفات الشرعية ، وآخر يقول : إنه لا يستطيع احظارهم لمساعدته إلا بخرهم بأفخر العود ، وآخر يقول : إنه لا يستطيع احظارهم إلا إذا ذبح لوجه الله تعالى معللاً أن حظورهم يكتمل بالطاعات !! وكل ذلك من الكذب وهو من التقرب للشياطين بالتبخير والذبح تارة يمارسه المعالج وتاره يطلب فعله من المريض

⛅ ثالثاً : الخاتمة : 
وفي ختام هذه المسألة أتقدم بالشكر الكثير لاخواني المشايخ وطلبة العلم الذين دارستهم هذه المسألة واستفدت منهم الاهتمام بمحتوى هدا البحث وعلى رأسهم الشيخ جميل العمري والشيخ مرسال السعود والشيخ حماد الأشرم ، وكذاك الشيخ عمار الحوباني فقد اهداني مؤلفا له اسمه : ( الفتح المبين في حكم الاستعانة بالجن المسلمين ) فجزاهم الله تعالى عني خيراً


كتبه أخوكم 
أبو العباس أنور الرفاعي 
30 ـ صفر ـ 1438 هـ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق