الخميس، 8 نوفمبر 2018

الحجامة والسحر

هل الحجامة تعالج السحر والمس والحسد أم لا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت على رسالة نص كاتبها أن الحجامة لاتعالج السحر والمس والحسد ولكنها قد تعالج الأعراض الناتجة عن هذه الأمراض ، وهذا الكاتب قد استدل على مذهبه بقضية سحر النبي صلى الله عليه وسلم ونقل عن الإمام الكبير ابن القيم رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم احتجم ولكنه لم يستفد من الحجامة وأنه عندما عرف أنه مسحور عدل إلى العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر وإبطاله !! والحقيقة مع احترامنا لهذا الرأي إلا أننا نحترمه دون أن نلتزمه وهو مردود في حدود علمنا من ستة أوجه :

الوجه الأول : 
أن النصوص النبوية بينت أن الحجامة دواء بل ورد في الحديث أنها من أمثل الدواء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري )  فقال : إن الحجامة دواء ولم يستثن السحر فما هو دليل الكاتب أن السحر والمس والحسد يخرجان من هذه المثلية في التداوي ؟

الوجه الثاني : 
أن المذهب القائل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ولم يستفد قد يجيب عليهم من يوافقهم على كونه فعل ذلك أن السبب لأنه لم يكن يعلم أنه مسحور ، وأنه لو كان يعلم أنه مسحور عندما احتجم ربما غير مواضع المحاجم فقط ؛ لأنه باعتراف الكاتب أنه لم يكن يعلم وبناء على اعترافه يأتي السؤال الذي نصه : هل مواضع الحجامة لعلاج التخيل الناتج عن السحر والناتج عن غير السحر كـ غلبة الرطوبة أو صعود الأبخرة واحدة ؟ مع العلم أن النص الوارد في ذلك حدد موضع الرأس بشكل عام دون تحديد مواضع الرأس بشكل خاص
سيكون الجواب لو كان من أهل الاختصاص والتفنن بالحجامة أنها تتفق في بعض وتفترق في بعض مع إمكانية الانتقال للبديل أيضاً باعتبار الشكوى عرض في سبب ومرض في سبب آخر 

الوجه الثالث : 
أنه يحق للكاتب الاعتراض على الوجه الثاني كونه صلى الله عليه وسلم عندما علم أنه مسحور لم يعد الحجامة ولم يقم بتعديل مواضع المحاجم !! وبهذا الاعتراض يبطل ماقررناه هناك !! ولكننا نبين له أن الاعتراض غير وارد ، وأن الوجه الثاني ملزم له وبيان ذلك أن نبينا الكريم عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم خفي عليه أمران : أحدهما أنه مسحور والثاني متفرع عن الأول وهو مكان السحر ، وعندما عرف أنه مسحور لم يحتجم ؛ لأنه عرف مكان السحر وليس لأن الحجامة لاتعالج السحر ، فهل يستطيع الكاتب أن يجزم في أمر غيبي أنه لو كان علم أنه مسحور ولكنه لم يعلم بمكان السحر أنه ما كان سيحتجم ؟ ففرق بين الحالتين : بين معرفته لنوع الإصابة وهي السحر مع معرفة مكان السحر وبين معرفة نوع الإصابة دون معرفة مكان السحر !! ففي الأولى لا شك أن العلاج الحقيقي هو الوصول لسبب الإصابة واتلافه والتخلص منه بخلاف الثانية فإن العمل ببقية الأسباب وارد شرعاً وعقلاً وليس في القصة الدليل على نفي عمل الحجامة لورود ما يدل على الحالة الأولى وعدم ورود ما يدل على الحالة الثانية ، وهذا كله كما سبق إنما نسوقه على لسان من يوافقهم على أساس المسألة وأما نحن فلا نقرها أساساً كما سيأتي في الوجه الأخير 

الوجه الرابع : 
قول الكاتب أن الحجامة ممكن أن تعالج الأعراض التي سببها السحر ولكنها لا تعالج السحر !! أليس هذا القول منه يناقض نقله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتفع بالحجامة !! فلو كان فعلاً أنه احتجم ولم ينتفع منها لكان التقرير أنه لا المرض ذهب ولا الأعراض ذهبت أيضاً !!
وبتعبير أوضح نوجه هذا السؤال للكاتب الكريم ونصه : هل عندما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم تعالجت الأعراض التي سببها السحر ولكن السحر بقي ولم يشف ؟ 
بمجرد النظر للسؤال بإمعان وللحقيقة المتوهمة بإتقان سيتضح أنه يلزم أصحاب هذا المذهب أن الحجامة لاتعالج لا السحر ولا تعالج أيضاً الأعراض التي سببها السحر !! وبهذا تتعطل وظيفة الحجامة في علاج هذا النوع من الأمراض تماماً بناء على حقيقة متوهمة وبيان ذلك في الوجه السادس والأخير

الوجه الخامس : 
أن العلامة ابن القيم رحمه الله وهو العمدة الذي اعتمد عليه صاحب المقال وتمسك به كمرجعية لصحة مقاله لم يقل أبداً بوجه من الوجوه أن الحجامة لا تعالج السحر !! ولو فرضنا أن سكت عن هذه النقطة لم يكن لأحد أن ينسب له قولاً لم يقله !! فكيف وهو قد صرح بخلاف ما نسبه له الكاتب وقرر أن الحجامة تعالج السحر فقال ما نصه : ( وقد يكون من انفعال الطبيعة وهو أشد السحر، واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع ، لأنه إذا هيّج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعًا في ذلك ) فهذا واضح أن جعل الاحتمال الثاني ليس من السحر فقط بل من أشد السحر ومع ذلك قرر أن الحجامة نافعة لهذا السحر الخبيث !! بل وقرر أن نفعها متعلق باستفراغ مادة السحر الخبيثة دل أنه يعني نفس المرض وليس مجرد الأعراض 
بل إن العلامة ابن القيم رحمه الله تولى الرد على من ينكر علاج السحر بالحجامة وكاتبنا الفاضل غفر الله له يستدل به على انكار ذلك !! وهذا نص كلام ابن القيم رحمه الله حيث قال : ( وقد أشكَل هذا على مَن قَلَّ علمُه ، وقال : ما للحجامة والسِّحرِ ؟ وما الرابطةُ بين هذا الداء وهذا الدواء ؟ ولو وَجد هذا القائلُ "أبقراطَ"، أو "ابنَ سينا" أو غيرَهما قد نَصَّ على هذا العلاجِ، لَتَلقَّاه بالقبولِ والتسليم، وقال: قد نَصَّ عليه مَن لا يُشَكُّ في معرفته وفضله اهـ )

الوجه السادس :
أسلفنا في بعض أسطرنا السابقة أننا نناقش ببعضها الكاتب بلسان من يوافقه على أساس المسألة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ولم ينتفع !! وأما عن النقاش بلساننا فخلاصته في هذا الوجه الأخير أن الذي نعرفه أن حديث احتجام النبي صلى الله عليه وسلم عندما سحر غير ثابت رواه أبو عبيد في غريب الحديث عن عبدالرحمن بن أبي ليلى مرسلاً والمرسل من أقسام الضعيف 
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ( 10 / 228 ) : وأخرج أبو عبيد من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ( احتجم النبي صلى الله عليه و سلم على رأسه بقرن حين طب ) اهـ  

وأخيراً : كان قصدنا من هذه الأسطر هو بيان الحق في هذه المسألة وليس التعرض للكاتب الفاضل فكلنا يصيب ويخطئ والله الموفق 

كتبه أخوكم 
أبو العباس أنور الرفاعي 
اليمن السعيد 
29 / 2 / 1440 هـ

https://telegram.me/anwar2014w

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق