التحقيق بأعلى صوت في معرفة السنوت
من تحقيقي على كتاب الطب النبوي لابن القيم رحمه الله تعالى
أخوكم أبو العباس أنور الرفاعي
ــــــــــــ
الخلاف في تحديد السنوت قديم ، بل جاء عن النسائي في " السنن الكبرى " ( 7577 ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام السنا والسنوت ) قال محمد ونسيت الثالثة ، قالوا يا رسول الله هذا السنا قد عرفناه فما السنوت ؟ قال : ( لو شاء الله لعرفكموه ) وهذا الحديث ذكره ابن أبي حاتم في " علل الحديث " (2560 )
فالحديث صريح أن السنوت ليس محددا دون الاجتهاد في البحث والنظر ، وهو معلول كما سبق وبعضهم يحسنه بالشواهد ، وبالنظر في الأقوال الثمانية السابقة يتضح أنه لا يوجد دواء معين سواء من الأعشاب أو من غيرها يقال له : السنوت ويستقل بهذا الاسم ، خلافاً لما يدعيه العامة أو بعض المعالجين ، ومن هنا يصير اللجوء للاجتهاد والترجيح بين الأقوال الثمانية السابقة وهي :
1- أحدها : أنه العسل.
2- والثاني : أنه رب عكة السمن يخرج خططا سوداء على السمن.
حكاهما عمرو بن بكر السكسكي .
3- الثالث : أنه حب يشبه الكمون وليس به ، قاله ابن الأعرابي .
4- الرابع : أنه الكمون الكرماني .
5- الخامس : أنه الرازيانج ( الشمر بلغة مصر ) . حكاهما أبو حنيفة الدينوري عن بعض الأعراب.
6- السادس : أنه الشبت .
7- السابع : أنه التمر . حكاهما أبو بكر بن السني الحافظ.
8- الثامن : أنه العسل الذي يكون في زقاق السمن ، حكاه عبد اللطيف البغدادي .
قال بعض الأطباء : وهذا أجدر بالمعنى ، وأقرب إلى الصواب ؛ أي : يخلط السناء مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ، ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا لما في العسل والسمن من إصلاح السنا ، وإعانته له على الإسهال .. والله أعلم.
والذي يظهر أن القول الحق من بين هذه الأقوال الثمانية هو ترجيح ( العسل ) وهذا لسبعة أسباب :
1⃣- السبب الأول :
أن العسل هو الوحيد الذي يستحق الوصف أنه شفاء من كل داء لورود صريح الأدلة من القرآن والسنة بالثناء عليه ، والله تعالى قال عنه : { فيه شفاء للناس } ولم يقل : { لناس }
2⃣- السبب الثاني :
أن السنوت مثل السنا من حيث معنى اللفظ ، وهو العلو القدر ورفعته وهذا من بين تلك الثمانية ليس إلا للعسل فليس فيهن ما يعلو مقدار العسل
3⃣- السبب الثالث :
أن العسل أنواع كثيرة وهو بخاصية تعدد أنواعه يمكن وصفه لسائر الأمراض بتحديد نوع من أنواعه لكل نوع من أنواع الأمراض بخلاف بقية المذكورات
4⃣- السبب الرابع :
أن ( السنوت ) جاء في مقابل ( السنا ) وفي الحديث أن السنا يسبب الاستمشاء ، وفي الحديث الآخر أن العسل يسبب وقف الاستمشاء ، فيكون الجمع بينهما جمعاً لعلاج المتناقضين المتعارضين ، وهذا من غاية الاتزان والاعتدال
5⃣- السبب الخامس :
أن في الاسم ( سنا ) و ( سنوت ) تقارب في اللفظ ، فلابد أن يكونا أيضاً متقاربان في الطبع ، وهذا حاصل بين السنا والعسل وقد سبق أن خلط السنا بالعسل أصلح له وأنفع للجسد
6⃣- السبب السادس :
أن ( السنا ) عشبة مكية و ( السنوت ) هو العسل عند المكيين ، وهذا دليل للارتباط بين السنا والعسل
7⃣- السبب السابع :
أنه وإن كان غير العسل هو قول الأكثرين إلا أن ترجيح العسل هو قول أكثر اللغويين وهم أقرب لضبط اللفظ من غيرهم
8⃣- السبب الثامن :
أن العسل له أسماء كثيرة ومنها : السنوت ، كسفود وسنور، السلوى لأنه يسلي ، الحافظ ، الأمين ، لأنه يحفظ ما يودع فيه ، فيحفظ الميت أبداً واللحم ثلاثة أشهر ، والفاكهة ستة أشهر .
تنبيه : تفسير { السلوى } أنها العسل هو من الخلاف في ذلك وانظر رد القرطبي على من ادعى الاجماع أنه ( الطير ) ( 1 / 407 ) وهو ترجيح الجوهري كما في تفسير ابن كثير ( 1 / 272 )
وممن رجح ذلك :
1ـ ابن قتيبة الدينوري في " المعاني الكبير " ( 1 / 149 ) وفي "غريب الحديث " ( 1 / 358 )
2ـ الدميري في " حياة الحيوان الكبرى " ( 3 / 198 )
3ـ ابن الأثير في " النهاية " ( 1 / 1011 ) وفي " أسد الغابة " ( 1 / 1135 )
4ـ الزمخشري في " الفائق " ( 2 / 202 ) وفي " أساس البلاغة " ( 1 / 227 )
5ـ ابن الأعرابي كما في " غريب الحديث " لابن الجوزي ( 1 / 501 )
6ـ وابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 102 ) مع السمن
7ـ الألباني في " الصحيحة " ( 4 / 297 )
8ـ وهو ترجيح أستاذنا الفاضل سيد قطب حفظه الله ، بهذا أكتفي بترجيح أنه العسل .. والله أعلم
كتبه أخوكم
أبو العباس أنور الرفاعي
anwar2014w@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق