التنصيص
على شرعية التشخيص
وهي عبارة عن
[ أدلة جواز التحذير من أهل الباطل بالتلميح وبالتصريح أفراداً أو جماعات ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله والتابعين
أما بعد :
فقد اختلفت نظرة عامة الناس تجاه مايقوم به العلماء الصادقين من التحذير من المفتونين والمتحزبين وماعلموا أنهم يخاصمون الناس لأمرين اثنين :
الأول : طاعة للخالق بحماية جناب الحق المبين الذي أنزله رب العالمين وعبث به المبطلون
الثاني : رحمة للخلق كي لاتلتبس عليهم شبهات أهل الأهواء فيعرفوا الدين على غير ما أراد الله
فأقول مستعيناً بالله تعالى :
والله ماكتبوا شيئً ابتغاء مرضاة الناس حتى يتركوها للناس ، فغاية مايهمهم هو هل رب الناس راضٍ عما يقومون به أم لا ؟
وهذا سؤال لايجوز الإجابة عليه بالتخمينات والظنون ؛ إذ النقل عن الله تعالى لايكون إلا من نصوص الكتاب والسنة وقد دلاّ على شرعية ذلك أوضح دلالة وأفصح بيان ، وبيانه :
أولاً القرآن :
ففيه : جرح الكفار ، وفيه جرح المنافقين ، وفيه جرح الظالمين ، وفيه جرح الكاذبين ، وفيه جرح أهل الأهواء ، وحاصل هذا الجرح هو شرعية التشخيص من أجل بيان سبيل أهل الحق من أهل الباطل بحسب نوع المجروح ، وهو على ثلاث طرق بحسب المصلحة :
ـ الأولى : جرح الجماعات ( أي : الطوائف ) قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة : 34] وقال تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة : 5]
ـ الثانية : جرح الصفات ( أي : التلميح ) قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقال تعالى : {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم : 13 - 10]
ـ الثالثة : جرح الذوات ( أي : التصريح بالاسم ) قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف : 175] ففيها الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتعيينه
وقال تعالى : {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص : 18]
وقال يوسف عليه السلام لإخوته : {َ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف : 77]
وقال تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد : 1]
ثانياً السنة :
فقد استفاضة الأدلة فيها على شرعية بيان سبيل المبطلين وتقويم المخطئين وفقاً للمنهج القرآني المبين بطرقه الثلاث :
الأولى : جرح الجماعات ، كحديث : (( القدرية مجوس هذه الأمة ))
والأدلة في جرح الخوارج معروفة !!
الثانية : جرح الصفات ، كحديث : ((مابال أقوام ))
الثالثة : جرح الذوات ، كحديث : ((ماأظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً )) وحديث : (( يخرج من ضئضي هذا )) وحديث : (( بئس أخو العشيرة )) وحديث : (( بئس خطيب القوم )) وغيرها من الأدلة ، وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء الأوائل على شرعية ذلك
فصل في شرعية الجرح من دلالة المفهوم
ـــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}
[الأحزاب : 58] مفهومها شرعية أذية من اكتسب مايستحق به ذلك ،كقوله تعالى : {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء : 16]
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله هنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((... ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال )) فقوله : (ماليس فيه ) دليل على شرعية أن تقول فيه ماهو فيه بحسب المصلحة
وروى مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنم النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ، وعرضه )) دليل على أن من لم يتق الشبهات فقد عرض عرضه للطعن بسبب ما اكتسب .
فصل في قول الحق وان رفض الخلق
ـــــــــــــــــــــ
ومن خلال ماسبق ، ومن باب قول الله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة : 143]
وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء : 135]
والعلماء لايقومون بهذا الأمر تلذذاً ولاتشهياً وانما من باب : (( وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا ))
ولو أن أهل الحق سكتوا من أجل الخلق لكانوا قد أضاعوا كثيراً وخافوا حقيراً
وبيان سبيل المبطلين هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب على كل مسلم العالم وطالب العلم كل بحسبه ، والله الموفق
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
ابو العباس انور الرفاعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق