علاج الحمى بالماء البارد بإذن الله تعالى
ـــــــــــــــ
أولاً : الأدلة
ـ الدليل الأول :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء )
رواه البخاري 3088 ومسلم 5881 عن ابن عباس و عائشة وابن عمر ورافع بن خديج
فائدة :
وقوله : ( فأبردوها بالماء ) يستفاد منه أمرين اثنين :
1⃣ الأمر الأول :
( أبردوها بالماء ) أي بالماء البارد ولا يفهم منه أنه تبرد بأي ماء وهذا لاقتران ( الماء ) بالوصف ( أبردوها )
وهذا جاء موضحا في رواية أخرى ستأتي بعد قليل
2⃣ الأمر الثاني :
أنه إذا ثبت أن المقصود به الماء البارد فيصح أن يقاس عليه الماء المبرد لتوحد الغاية في قوله : ( فأبردوها )
والتبريد وسيلة والأصل إعمال الوسائل والله أعلم
ـ الدليل الثاني :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( الحمى كير من جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد )
رواه السيوطي في الجامع الصغير 5500 عن أبي هريرة
وصححه الألباني في صحيح الجامع 3189
ثانياً : كلام العلامة ابن القيم رحمه الله حول الموضوع قال كما في كتابه الطب النبوي ( ص/ 116 )
وقد رتبناه على أربع مسائل مهمة :
المسألة الأولى : في فهم الأطباء لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وبيان عدم الاعتماد على فهمهم
قال : وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ورأوه منافيا لدواء الحمى وعلاجها ونحن نبين بحول الله وقوته وجههُ وفقههُ فنقول :
خطاب النبى صلى الله عليه وسلم نوعان :
ـ عام لأهل الأرض
ـ وخاص ببعضهم
فالأول : كعامة خطابه
والثانى : كقوله : ( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا )
فهذا ليس بخطاب لأهل
المشرق والمغرب ولا العراق ولكن لأهل المدينة وما على سمتها كالشام وغيرها وكذلك قوله :
( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) اهـ
المسألة الثانية : في الفهم الصحيح لحديث : ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء )
وإذا عرف هذا فخطابه فى هذا الحديث خاص بأهل الحجاز وما والاهم إذ كان أكثر الحميات التى تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالا اهـ
المسألة الثالثة : ماهي حقيقة الحمى :
فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل فى القلب وتنبث منه بتوسط الروح والدم فى الشرايين والعروق إلى جميع البدن فتشتعل فيه اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية اهـ
المسألة الرابعة : بيان أنواع الحمى :
وهى تنقسم إلى قسمين :
1⃣ عرضية :
وهى الحادثة إما عن الورم أو الحركة أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ، ونحو ذلك.
2⃣ ومرضية :
وهى ثلاثة أنواع ، وهى لا تكون إلا فى مادة أولى ، ثم منها يسخن جميع البدن
ـ النوع الأول :
فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم لأنها فى الغالب تزول فى يوم ونهايتها ثلاثة أيام
ـ النوع الثاني :
وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهى أربعة أصناف :
1 ـ صفراوية
2 ـ وسوداوية
3 ـ وبلغمية
4 ـ ودموية
ـ النوع الثالث :
وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية سميت حمى دق
وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة اهـ
المسألة الخامسة : وقت الاغتسال بالماء البارد :
وقد روى الترمذى في من حديث رافع بن خديج يرفعه
( إذا أصابت أحدكم الحمى وإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء البارد ويستقبل نهرا جاريا فليستقبل جرية الماء بعد الفجر وقبل طلوع الشمس وليقل : بسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك وينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن برىء وإلا ففي خمس فإن لم يبرأ فى خمس فسبع فإن لم يبرأ فى سبع فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله )
قلت ( القائل ابن القيم ) :
وهو ينفع فعله فى فصل الصيف فى البلاد الحارة على الشرائط التى تقدمت فإن الماء فى ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس ووفور القوى فى ذلك الوقت لما أفادها النوم والسكون وبرد الهواء فتجتمع فيه قوة القوى وقوة الدواء وهو الماء البارد على حرارة الحمى العرضية أو الغب الخالصة أعنى التى لا ورم معها ولا شىء من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة فيطفئها بإذن الله لا سيما فى أحد الأيام المذكورة فى الحديث وهى الأيام التى يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيراً سيما فى البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكانها وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع اهـ
المسألة السادسة : كلام الأطباء المنصفين :
وقد اعترف فاضل الأطباء جالينوس بأن الماء البارد ينفع فيها قال فى المقالة العاشرة من كتاب "حيلة البرء" : ولو أن رجلا شاباً حسن اللحم خصب البدن فى وقت القيظ وفى وقت منتهى الحمى وليس فى أحشائه ورم استحم بماء بارد أو سبح فيه لانتفع بذلك
وقال : ونحن نأمر بذلك بلا توقف اهـ
وقال الرازى فى كتابه الكبير : إذا كانت القوة قوية والحمى حادة جدا والنضج بين ولا ورم فى الجوف ولا فتق ينفع الماء البارد شربا وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار وكان معتاداً لاستعمال الماء البارد من خارج فليؤذَن فيه اهـ
وأخيراً :
الشرح الاجمالي للحديث من كلام ابن القيم رحمه الله :
وقوله : ( الحمى من فيح جهنم )
هو شدة لهبها وانتشارها ونظيره قوله : ( شدة الحر من فيح جهنم )
ـ وفيه وجهان :
1⃣ أحدهما :
أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها كما أن الروح والفرح والسرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله فى هذه الدار عبرة ودلالة وقدر ظهورها بأسباب توجبها
2⃣ والثانى :
أن يكون المراد التشبيه فشبه شدة الحمى ولهبها بفيح جهنم وشبه شدة الحر به أيضا تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها
وقوله : ( فابردوها )
روى بوجهين :
الأول : بقطع الهمزة وفتحها رباعى ، من ( أبرد الشىء ) إذا صيره باردا مثل : ( أسخنه ) إذا صيره ساخناً
والثانى : بهمزة الوصل مضمومة من ( برد الشىء يبرده ) وهو أفصح اهـ
أتمنى أن تكونوا قد استفدتم من هذه المعلومات القيمة من طبيب كبير وعالم متبحر بمسائل الطب النبوي وغيره وهو الطبيب العالم ابن القيم رحمه الله تعالى
كتبه أخوكم
أبو العباس أنور الرفاعي
✍
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق