الأربعاء، 1 مارس 2017

هل الأنبياء يقعون في الخطاء


هل الأنبياء يقعون في الخطاء 
ـــــــــــــــــــــــ
                                 

بسم الله الرحمن الرحيم 
أولاً : المقدمة :
قبل أن أطلب العلم كنت كثيراً ما أحب القراءة في كتب قصص الأنبياء وكنت أتسائل كيف يكون الأنبياء معصومون ومع ذلك فالقرآن العظيم يحكي لنا محاسبة الله تعالى لبعضهم كيونس إذ { ذهب مغاضباً } وموسى إذ { ألقى الألواح } ومحمد إذ { عبس وتولى } عليهم الصلوات المباركات من ربهم 
وعندما طلبت العلم رفع الله تعالى عني اللبس في هذه المسألة وفهمت معنى [ عصمة الأنبياء ] على الوجه الصحيح ، ولكني في أيام علمي بها رأيت صنفاً معادياً للدين يتهم الإسلام بالتناقض معللاً كيف يكون الأنبياء معصومون وهم يخطؤون [ ويستدل بالأحداث السابقة ] وهذا الصنف يسعى لتشكيك الناس العامة بدينهم ، فإن قلت لهم : بعصمة الأنبياء خاصموك بما سبق فلم يبق إلا قول الحق وهو الشرح والتوضيح للفهم الصحيح لمعنى العصمة والتفريق بين أفعالهم من الوحي وأفعالهم من الاجتهاد  وأن أفعالهم من الوحي لاخطأ فيها أبداً وأما أفعالهم من الاجتهاد فيصيبوا ويخطئوا فإن أصابوا أقروا وإن أخطاؤا صوبوا .. وإلى مواد أهل العلم في ذلك :

ثانياً : أقوال أهل العلم في المسألة :

1- قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى 4/319:
وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها ولا يقولون إنها لا تقع بحال وأول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك الرافضة فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل ... 
وأما التصويب والتخطئة في ذلك فهو من كلام العلماء الحافظين من علماء المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة وتفصيل القول في ذلك يحتاج إلى بسط طويل لا تحتمله هذا الفتوى والله أعلم اهـ

وقال كما في المستدرك على الفتاوى 2/54 :
قال ابن بطة فيما كتب به إلى ابن شاقلا في جوابات مسائل ، وقال : والدليل على أن سنته وأوامره قد كان فيها بغير وحي وأنها كانت بآرائه واختياره أنه قد عوتب على بعضها ولو أمر بها لما عوتب عليها ، من ذلك حكمه في أسارى بدر، وأخذه الفدية ، وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له ، ومنه قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [159/3] فلو كان وحيا لم يشاور فيه. قال القاضي : وقد أومأ أحمد إلى صحة ما قاله أبو عبد الله بن بطة اهـ

وقال كما في الفتاوى10/290 : 
والرسول هو الذي أرسله الله تعالى ، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا ، والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين اهـ


2- قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه القيم ( تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ( 7 / 463 :
في ترجمة الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبي جعفر الباقر رحمه الله : 
وهو أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم ، ولا عصمة إلا لنبي ؛ لأن النبي إذا أخطأ لا يقر على الزلة ، بل يعاتب بالوحي على هفوةٍ أن ندر وقوعها منه ، ويتوب إلى الله تعالى ، كما جاء في سجدة  ( ص ) أنها توبة نبي اهـ

3- وقال الشاطبي في الموافقات 4/335 : 
فإن الحديث إما وحي من الله صرف وإما اجتهـــــــاد من الرسول عليه الصلاة و السلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله لأنه عليه الصلاة و السلام ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وإذا فرع على القول بجواز الخطــــأ في حقه فلا يقر عليه ألبتة فلا بد من الرجوع إلى الصواب اهـ

وقال في نفس المصدر 4/470: فاعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم مؤيد بالعصمة معضود بالمعجزة الدالة على صدق ما قال وصحة ما بين وأنت ترى الاجتهاد الصادر منه معصوما بلا خلاف إما بأنه لا يخطئ البتة وإما بأنه لا يقر على خطـــــأ اهـ

4- قال الامام الالباني رحمه الله 
هنا يأتي سؤال ، هل للنبي - صلى الله عليه وسلّم - تصرفات في الشرع - في الأحكام الشرعية - يمكن أن يصيب فيها و أن يخطأ لأنه اجتهد ولم يوح إليه في شيء من الاجتهادات ، هل هذا وقع أو كلّ ما جاء من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلّم - فيما يتعلّق بالأحكام الشرعيّة : كلّ ذلك وحي ؟؟
أقول في الجواب عن هذا السؤال ، وإنّما أطرحه للانتباه إلى نكتة الجواب - أوّلا-  ولأنّ كثيرا من النّاس اليوم ممن ينتمون إلى حزب من الأحزاب الإسلامية . . . يوجد هناك حزب إسلامي في هذه البلاد وفي غيرها ، يقول : إنّه لا يجوز للرسول - عليه السلام - أن يجتهد !! الرسول لا يجتهد !! هكذا زعموا !! لكن:  هذا الزعم مرفوض بكثير من النّصوص ، الذين ادّعوا هذا الادعاء نيّتهم - الله أعلم - أنها حسنة ، لكنّها من حيث الثمرة : هي سيّئة ! لأنّها تشبه نيّة كثير من الفرق القديمة ، التي أنكرت نصوصا في الكتاب والسنّة صريحة ، لتوهّمهم أنّ التمسك بهذه النصوص على ظاهرها - كما يزعمون - تؤدّي إلى تعطيل الشّريعة أو الطّعن في جانب من جوانبها ، فالذين يقولون : إن الرسول عليه السلام لا يجتهد !! سيقولون اذا نحن ما يدرينا إذا أخذنا برأي من آراء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم التي اجتهد فيها أن يكون قد أخطأ ؟!! 
هنا يأتي الجواب : إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلّم - إذا كان يقول : (( إذا اجتهد الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، فإن أخطأ فله أجر واحد )) فرسول الله - صلى الله عليه وسلّم - أولى بالاجتهاد ، وأقرب إلى إصابة الصواب وأن يأجر ذلك الأجر المضاعف ، فلماذا نقول إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يجتهد !! وقد اجتهد فعلا ً.
لكنّنا نقول:  إن اجتهد فأخطأ : فسرعان ما يصوّبه الوحيُ ، هذا الذي قلته آنفا ﴿ يوحى إليّ ﴾ أي: يوحى إليّ بحكم شرعيٍّ ، أو بتصويب لاجتهادٍ نبويًّ ، فحينئذٍ نحن نكون في مأمن من أن نكون متّبعين للرّسول [ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ] في شيء اجتهد فأخطأ - حاشاه من ذلك – لذلك : هذا يؤدي بنا إلى أن نتّخذ هذا الجواب قاعدة ، للردّ على بعض الدكاترة - وهنا بصورة خاصة - في الجامعة الأردنيّة
إذا جاء مثل قوله تعالى : ﴿ عبس وتولّى ﴾ إذا : هذا مثال واقعي ، كيف نقول : إن الرسول - صلى الله عليه وسلّم - لا يجتهد ؟؟! ها هو قد اجتهد لكنّه لم يقرّ ﴿ وما يدريك لعلّه يزّكى * أو يذّكر فتنفعه الذّكرى ﴾ وكثير من الأحكام التي صدرت عن الرسول عليه السلام توحي إلينا - من كلامه عليه السّلام - لا من كلام ربّ العالمين ، أنّها اجتهاد منه ...
فهو إذا اجتهد فأخطأ لا يقرُّ ، ينبّه بماذا ؟ بطريقة الوحي  أمّا الرسول عليه السلام فهو معصوم من أن يقرّ على خطأ اهـ

5- قال العلامة ابن باز رحمه الله : 
وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر ، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها ،بل ينبه عليها فيتركها ، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطــــــــــــأ ثم ينبه على ذلك ؛ كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصا ، فأخبروه صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : ( إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله ) رواه مسلم في الصحيح ، فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون .
أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك ،  فقول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ فهذا قول باطل ، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا اهـ

6- وقال العلامة العثيمين رحمه الله في فتاوى نور على الدرب 3/389 : 
الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله سبحانه وتعالى وهم معصومون من كل خطـــــأ يخل بصدقهم وأمانتهم وهذا هو محل الثقة فيهم وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطؤون فيه فإن نوحاً عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن ينجي ابنه فقال الله له إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهاداً منه فقال الله له ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفورٌ رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له : (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) لكنهم معصومون من الإقرار على الخطـأ يعني لو حصل منهم خطـأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه بخلاف غيرهم فإنهم لا يعصمون من ذلك اهـ

وأزيدكم فتوى أخرى صوتية للعلامة ابن عثيمين وفيها ذكر مسألة { عبس وتولى } ( وليلقم البرامكة أحجارا بهذه الصوتية )
(http://ar.islamway.net/fatwa/6630  )


وقال رحمه الله في شرحه للسفارينية ( ص/ 465 ) :

أفادنا المؤلف رحمه الله أن الأنبياء أو الرسل معصومون مما ذكر، فهل هم معصومون من صغائر الإثم ، نقول نعم ليسوا معصومين من صغائر الإثم لكنهم معصومون من إرادة المخالفة ومن الإصرار على المعصية معصومون من إرادة المخالفة لأن الذي يقع منهم يكون عن قصد أخطئوا فيه الصواب مثلاً :
{ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } هو أذن لهم اجتهادا منه يظن أن المصلحة في ذلك ولكن المصلحة في غيرها ، المصلحة أن يتأنى حتى يعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذببن .
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } حرم ما أحل الله له طلباً لمرضات زوجاته وتأليف قلوبهن ، ولكنه لم يحرمه شرعاً ، يعني لم يحرمه بحكماً شرعياً إنما حرمه امتناعاً ، يعني حرمه على نفسه كما تقول حرام علياّ أن ألبس هذا الثوب حرام علياّ أن أدخل هذا البيت حرام علياّ أن أشتري هذه السيارة مثلاً هذا ليس حراماً تحريماً شرعيّاً لكنه تحريم امتناع ، يعني أنني ألزم نفسي بأن أمتنع من هذا الشيء .
كذلك { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } هل أخفى في نفسه هذا عناداً ومخالفة ؟؟ لا ، لكنه أخفاه تحرياً للمصلحة ومع ذلك نُهي عن هذا ، فالحاصل أنهم عليهم الصلاة والسلام لا يمنعون من وقوع صغائر الذنوب لكنهم لا يفعلونها كما يفعلها غيرهم تعمداً للمخالفة ، ولا يُقرون عليها أيضاً ، لابد أن ينبهوا عليها حتى يرجعوا إلى الصواب اهـ


7- قالت اللجنة الدائمة فتوى (6290) 
نعم الأنبياء والرسل يخطئون ، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم ، بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم ، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال ، ولم ينكر الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - إخباره أمته بحديث الذباب ، وما في جناحيه من الداء والدواء ، بل أقره فكان صحيحا وأما أبناء آدم فمع أنهما ليسا من الأنبياء لما قتل أحدهما الآخر ظلما وعدوانا ، بين الله سوء صنيعه بأخيه ، وبين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم اهـ 
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي ، الأعضاء : عبد الله بن غديان وعبد الله بن قعود


8- وقالت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد كما في ( مجلة البحوث الإسلامية ) تحت اشراف سماحة الشيخ إبراهيم بن محمد أل الشيخ ، فضيلة الشيخ محمد بن عودة ، فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع ، فضيلة الشيخ عثمان الصالح :
وقد كان باب الاجتهاد مفتوحا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفق العلماء على وقوع الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - في الأقضية وفصل الخصومات وفي أمور الحرب وفي شئون الدنيا واختلفوا في وقوع الاجتهاد منه فيما عدا ذلك . والراجح أنه وقع الاجتهاد منه مطلقا حتى في العبادات وهو ما عليه جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة .
مثال اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأقضية وفصل الخصومات أنه قضى لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بالنفقة لها ولأولادها وأنه يجوز لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤكد للمتخاصمين أنه بشر وأنه يحكم بالظاهر بناء على اجتهاده ، فعن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار » .
ومثال اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في أمور الحرب اجتهاده في أسرى بدر ، فقد شاور الصحابة فيما يصنع بهم فأشار عليه أبو بكر بأخذ الفدية منهم وأشار عليه عمر بضرب رقابهم ، ومال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في اجتهاده إلى اجتهاد أبي بكر فنزل قول الله سبحانه معاتبا الرسول - صلى الله عليه وسلم: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
ومثال اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في شئون الدنيا قوله للصحابة لما رآهم يؤبرون النخل « لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا » فلما ذكروا له فيما بعد أن ثمر النخل قد سقط قال لهم : « أنتم أعلم بأمر دنياكم » .
ومثال اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في العبادات أنه ساق الهدي في حجه ونوى القران بدليل أنه قال للصحابة : « لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي » ولو كان سوق الهدي بالوحي لما قال : « لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت » .
ومثال اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في العبادات أيضا استغفاره لبعض المنافقين وصلاته على بعضهم كما ثبت أنه صلى على عبد الله بن أبي واستغفر لعمه أبي طالب ، فنزل قول الله سبحانه في شأن استغفاره للمنافقين : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } .
ونزل قوله تعالى في شأن صلاته - عليه الصلاة والسلام - على عبد الله بن أبي : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } .
ونزل قوله تعالى في شأن استغفاره - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
وإذا أخطأ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقر على ذلك ونزل عليه الوحي لبيان الصواب كما حصل منه - عليه الصلاة والسلام - في أخذ الفداء من أسرى بدر وفي استغفاره لعمه أبي طالب ولبعض المنافقين وصلاته على بعضهم اهـ
بل إن الشيخ ربيع نفسه وهو من المؤيدين لما دونته أنامل القوم في نقدهم لجناب شيخنا في عدة مسائل ومن ضمنها في هذه المسألة وجد له كلاما يقول به بالقول الذي قاله شيخنا العلامة الحجوري واليكه بنصه :


9- قال شيخ الغلاة ربيع المدخلي هداه الله في النقد منهج شرعي 
في قضية الأسرى بعد ما نصر الله رسوله وأظهره على أعدائه قتلوا من قريش سبعين وأسروا سبعين وأخذوا الأسرى وهم متجهون إلى المدينة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ما رأيكم في هؤلاء الأسرى ؟ وقال : ( والله لو كان المطعم بن عدى حياً وسألني هؤلاء النتنى لأعطيتهم إياه ) ، ما رأيك يا أبا بكر ؟ ما رأيك يا عمر ؟ قال أبو بكر وبعض الناس : يا رسول الله هم قومنا وعشيرتنا نأخذ منهم المال نتقوى به ونستعين به لعل الله أن يهديهم في يوم من الأيام إلى الإسلام ، وقال عمر : يا رسول الله هؤلاء صناديد قريش وما أرى ما رأى أبو بكر – رضي الله عنه – أرى أن تمكننا من قتلهم ومن استئصال شأفتهم فإن هؤلاء صناديد قريش إذا قتلناهم لا تقوم للكفر قائمة ، فهوى رسول الله رأي أبي بكر ومال إلى رأيه وأخذ الفداء ، جاء في اليوم الثاني عمر وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان فقال عمر : ما يبكيكما ؟ إن رأيت بكاء بكيت وإلا تباكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبكي للذي عرض على قومك والله لقد عُرض عليَّ عذابهم دون هذه الشجرة ) ( الحديث في صحيح مسلم ) وأنزل الله تبارك وتعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } 
هذا نقد وتوجيه وتربية لرسول الله وأصحابه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رأوا الفداء وعمر رأى غير ذلك وجاء الصواب لمن ؟ لعمر رضي الله عنه .
وآيات كثيرة في هذا النقد ، نقد الكفار نقد اليهود نقد النصارى نقد المشركين نقد الصحابة نقد المنافقين ، آيات كثيرة كلها في البيان والنقد والتوضيح ، وفي السنة شئ كثير كذلك .
فمثلاً من القرآن : 
قوله تعالى : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } (التوبة:43) اجتهاد من النبي عليه الصلاة والسلام ، جاء المنافقون يعتذرون ، فيقولون : يا رسول الله أنا عندي كذا وأنا عندي كذا وهذا يقول : أنا مريض والرسول يعذرهم ، والأعذار هذه كلها أكاذيب فأنزل الله هذه الآية : {عفا الله عنك } الآية ، يعني هذا درس لرسول الله وللأمة إلى الأبد . ثم أنزل الله في المنافقين : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : من الآية80 ]
لما مات عبد الله بن أُبي جاء ابنه عبد الله قال : يا رسول الله أبي توفي وأريد أن تكفنه بثوبك فوافق النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخرجوه وأخذ ثوبه وكفنه به وأجلسه على ركبتيه وكفنوه وحنطوه وأنزله في القبر ودفنه ، ولما قام يصلي عليه قال عمر : يا رسول الله أتصلي عليه – ومسك ثوبه - وقد قال يوم كذا كذا وكذا وفعل يوم كذا كذا وكذا ؟ قال : إن الله خيرني فقال : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ } (التوبة : من الآية80) ، والله لو علمت أني أستغفر لهم أكثر من سبعين مرة ويغفر الله لهم لاستغفرت لهم 
فالرسول عليه الصلاة والسلام فهم التخيير فأنزل الله : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه }( التوبة: من الآية84) ، 
وقال سبحانه : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى )( التوبة : من الآية113) 
كل هذا فيه توجيه ولو للرسول صلى الله عليه وسلم ، يعني تصرفات الرسول ما يقرها إذا ما وافقت ما عند الله ، كاجتهاد حصل فيه خطأ يأتي – والله – التوجيه والعتاب والتصحيح ، ما يقال : فيه إيذاء لشخص محمد عليه الصلاة والسلام ، أو قال : أنا رسول الله لا يُعترض علي ، لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم شيئاً لكتم هذه الأشياء ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : لو كان محمداً كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ }( الأحزاب : من الآية37 ) في قضية زينب ، انظر هذا النقد لرسول الله الكريم عليه الصلاة والسلام اهـ
وقال أيضا (( براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء) : ( وأعترف لك أن هذا يخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف ـ رضوان الله عليهم ـ في التعامل مع أقوال السلف ، ذلك التعامل الواعي القائم على أنه لا عصمة إلا للأنبياء فيما يبلغونه ، بل يعتقدون أنه قد يحصل الخطأ من الأنبياء ، وميزتهم أن الله ينبههم إلى ذلك ، ولا يقرهم على الخطأ اهـ
بواسطة المجموع الواضح في رد منهج وأصول فالح ، ص 237/238

صفعة ( معنوية ) قاضية في خديدات المبتدعة من البرامكة وغيرهم
أولا : كل هؤلاء العلماء أقروا بوقوع الأنبياء في الخطأ فلماذا يقع هجومكم على شخص وترك أشخاص ؟ 
ثانيا : فارق ذكر العدد ليس مبرراً للهجوم على شخص وترك أشخاص فذكر الأعداد لايعني تتبع خطأ الأنبياء بل يعني تتبع اصلاح الله تعالى للخطأ وأنه لايقر على ذلك أحدا وإن كان من أنبيائه 
ومن قال بالهجوم والتكفير على من ذكر نماذجاً من ذلك فيلزمه نفس الشيء مع العلامة ابن عثيمين وشيخ الغلاة الشيخ ربيع المدخلي وقبلهم الامام الكبير والعلامة الشهير محمد بن إبراهيم ال الشيخ وسائر علماء لجنة البحوث ؛ فإنهم جمعوا نماذجاً في ذلك ومع ذلك لم يقع الهجوم عليهم لأنهم يهجمون على من بينهم وبينه تصفية حسابات فقط


            وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين

كتبه أخوكم 
أبو العباس أنور الرفاعي 
5 /  رجب / 1437 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق